العقوبات الغربية تضع الاقتصاد الروسي أمام امتحان تاريخي.. فهل سيتصدى لها؟
الأربعاء, 02 مارس 2022 17:59

altفي حالة هي الأولى من نوعها، وصلت أسعار صرف الدولار واليورو مقابل الروبل إلى مستويات قياسية، بعد فرض دول مجموعة السبع، بالإضافة إلى عدد من الدول الأخرى، المزيد من العقوبات الجديدة ضد روسيا.

ومن أهم هذه العقوبات، تجميد الأصول الأجنبية للبنك المركزي الروسي، وفرض قيود خطيرة على عمل البنوك التجارية الرائدة، وكذلك على تصدير منتجات التكنولوجيا الفائقة إلى روسيا.

سابقة تاريخية

وارتفع سعر صرف الدولار لأول مرة في التاريخ فوق 100 روبل، وتم إلغاء التداول في أسواق الأسهم في روسيا، وفي لندن انهارت قيمة أسهم الشركات الروسية، وفي المقابل، اتخذ البنك المركزي ووزارة المالية وبورصة موسكو تدابير لمنع تفاقم الأزمة.

ووفقا للمتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فقد استعدت السلطات مسبقا للعقوبات التي تم فرضها في الأيام الأخيرة، وبالتالي فإن لدى الدولة كل الفرص لتقليل الضرر.

وتؤكد الحكومة الروسية أنه لا توجد مخاطر على الاستقرار المالي، وحسب وزير المالية أنطون سيليانوف، يتم تزويد البنوك بالكامل بالنقود، وتواصل البطاقات البلاستيكية العمل في البلاد، وفي نفس الوقت، يتم حفظ أموال العملاء لجميع مؤسسات الائتمان وإتاحتها.

وفي صباح يوم 28 فبراير/شباط، رد بنك روسيا على العقوبات الغربية المفروضة عليه والتي أدت إلى انهيار الروبل، برفع سعر الفائدة الرئيسي فورا إلى 20%، وفي الوقت نفسه، أعادت الحكومة الروسية تقديم قاعدة البيع الإلزامي لعائدات النقد الأجنبي من قبل المصدرين، واعتبارا من 1 مارس/آذار، سيُطلب من المصدرين بيع ما يصل إلى 80% من أرباح العملات الأجنبية في السوق المفتوحة.

العودة إلى الستار الحديدي

بموازاة ذلك، تستعد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات جديدة على روسيا، وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنه في وقت لاحق، سينظر قادة الاتحاد الأوروبي في حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا، تهدف إلى تقييد وصولها إلى أسواق رأس المال.

وبحسب المسؤولة الأوروبية، تتضمن هذه الحزمة عقوبات مالية ستحد من وصول روسيا إلى أسواق رأس المال، وسيكون تأثير هذه العقوبات قويا جدا، حسب تعبيرها.

مشاهد الطوابير في البنوك الروسية وأمام الصرافات الآلية متواصلة لسحب دفعات من العملات الأجنبية (الجزيرة)

تأثير العقوبات

وعلى خلفية إدخال القيود، وفي محاولة للسيطرة على حالة الإرباك والقلق لدى المواطنين على مدخراتهم، أكدت الخدمة الصحفية للبنك المركزي أن البطاقات المصرفية لجميع مؤسسات الائتمان في روسيا ستواصل العمل لدفع ثمن السلع والخدمات والتحويلات والمعاملات الأخرى من خلال أجهزة الصراف الآلي دون قيود.

كما أكد البنك المركزي، أن أموال العملاء لدى البنوك كافة، إضافة إلى الحسابات المرتبطة بالبطاقات، يتم حفظها وإتاحتها للمواطنين في أي وقت.

لكن ذلك لم يُنهِ حالة القلق والشعور بتأثير العقوبات لدى شريحة من المواطنين الروس، إذ لا تزال مشاهد الطوابير في البنوك وأمام الصرافات الآلية متواصلة، رغم حالة الهدوء النسبي بعد أن ضخ البنك المركزي حوالي 200 مليار روبل لمواجهة النقص في السيولة.

علاوة على ذلك، لا تزال مشكلة سحب الودائع بالعملة الصعبة قائمة، وكثيرا ما تكون الصرافات الآلية متوقفة عن الخدمة.

وتقول ماريا غورتشكوفا، وهي ربة منزل، إنها كانت على الدوام تثق بالبنوك كأفضل مكان لحفظ المدخرات، لكنها الآن تشعر أن البيت أصبح أكثر أمنا لذلك، على ضوء غموض المستقبل في ما يخص سعر الروبل وتوفر السيولة.

وقالت للجزيرة نت، إنها تثق بتصريحات الحكومة، لكن مشاهد طوابير المواطنين أمام الصرافات الآلية أثار لديها حالة خوف على مدخراتها، ما دفعها إلى سحب الجزء الأكبر منها من باب الاحتياط لأي متغير.

تعطيل مشاريع

أما يكاتيرينا بارسانافا، وتعمل في شركة طيران، فقالت إن المشكلة لم تعد بالنسبة لها الآن توفر السيولة من الصرافات الآلية، وإنما الحصول على قرض، بعد أن تم رفع قيمة الفائدة إلى نحو 20% بعد أن كانت قبل أيام في حدود 9% كحد أقصى.

وتابعت في حديث للجزيرة نت، أن من شأن ذلك تعطيل مشاريع كثير من الأسر، ولا سيما في ما يخص شراء بيت من خلال القروض، لأن نسبة كبيرة منها، تعتمد على القروض كخيار شبه وحيد لتحقيق ذلك.

تنبؤات صعبة

ووفق بعض خبراء الاقتصاد، فقد أصبح الروبل عملة لا يمكن التنبؤ بها، والآن سيتم تحديد سعره من خلال حجم أرباح العملات الأجنبية التي تبيعها الشركات، فضلا عن أن العملة الروسية يمكن أن تصل إلى حدود دنيا جديدة في حال فُرضت عقوبات جديدة على المصدرين.

ويعتبر المحلل الاقتصادي فيكتور لاشون، أن الأزمة الحالية جراء العقوبات تختلف عن سابقتها في عام 2014 من ناحية استفادة من كان يملك مبالغ كبيرة من العملات الصعبة من تراجع سعر الروبل، والتوجه لشراء العقارات. أما الآن، فلا يبدو الأمر كذلك، مع رفع نسبة الفائدة على القروض إلى حدود 20%.

وبرأيه، فإن الوضع الحالي يختلف عن أزمات الأعوام 2008 و2014، عندما حدث انخفاض في سوق الأسهم وانخفاض حاد في قيمة الروبل، لكن لم تكن هناك عملية عسكرية.

ولهذا السبب، سيكون رد فعل السكان على الادخار مختلفا، فقد تشهد الفترة المقبلة نموا في الطلب على القروض قصيرة الأجل، لكن حجمه سيكون أصغر مما كان عليه في الأزمات السابقة، فالحالة العاطفية والنفسية لكثير من الروس لا تساعد على شراء منازل.

المصدر : الجزيرة